الخميس، سبتمبر 01، 2011

قاسم حداد

وصف الشخص
 أمسية كتاب فتنة السؤال 9 مارس 2008
سيرة قاسم حداد
مؤلفاته 
صـور
أضع المرآة على الطاولة. أحملق، وأتساءل : من يكون هذا الشخص ؟ أكاد لا أعرفه. أستعين بالمزيد من المرايا. وإذا بالشخص ذاته يتعدد أمامي ويتكاثر مثل الصدى كاتدرائية الجبال، فأتخيل أنني قادر على وصفه : إنه قاسم حداد .. تقريبا
منذ أن بدأت علاقته بالكتابة وأنا في جحيم لا هوادة فيه. أعرف أن عالم الأدب يستدعي قدرا من الإطمئنان والسكينة، أو على الأقل الثقة بالنفس. لكن هذا شخص لا يهدأ في مكان ولا يستوعبه شكل الحياة، مثل مجنون أعمى يبحث في غرفة مظلمة عن شمس ليست موجودة. لا يطمئن لجهة ولا يستقر في إقليم وليس له ثقة في ما يكتب. يسمي ما ينجزه من كتابة : التمرين الأخير على موت في حياة لا تحتمل. فهو في كل يوم وأمام أية تجربة جديدة يبدو كأنه يكتب للمرة الأولى والأخيرة في آن واحد. جسد يرتعش مثل طفل مذعور مقبل على الوحش. كثيرا ما تركته وحده في الغرفة مريضا يوشك على الموت، وعندما أعود إليه في اليوم التالي، يضع أمامي النص ويجلس مثل شحاذ ينتظر ردة فعلي. ينتحب كأنه الميت يرثي نفسه. وما إن أقول له الكلمة، حتى يستعيد صحته ويقفز مثل العفريت، مستعدا للحياة كأنه يولد توا
في حفل توقيع كتاب فتنة السؤال مع حفيدته أمينة
بالرغم من مظهره الذي يوحي بالرزانة إلا أنه عابث من الدرجة الأولى. يرى في أشياء العالم طاقة محبوسة يتوجب إطلاقها من أسرها، لا يترك شيئا على هيئته، ففي النص يتوجب أن تكون النقائض على آخرها. يشتغل على الكتابة كمن يبني جسده وروحه بالكلمات. يضع أمامه خرائط الطريق على الطاولة، وعندما يبدأ الكتابة ينسى ذلك كله ويصوغ شيئا لا يتصz الأمل في العالم، فيبالغ في تشبثه باليأس كمن يتحصن ضد أوهام لا يراها أحد معه. لا تعرف ما إذا كان يفجر بالكتابة أم تصلي به

تعبت معه وتعبت منه. كلما تقدم في العمر تفاقمت فيه شهوة النقائض وراح يتصرف مثل الفتى الأرعن. لم يعد جسده قادرا على عبء الروح التي تتفلت مثل نار تفيض على الموقد. كثير الإدعاء بالمغامرات في حين أنني لم أصادف جبانا مثله. يزعم التوغل في ليل المعنى وهو لا يخاف شيئآ مثل رعبه من الأماكن المظلمة. يدعي بأنه منذور لموج التجربة وهو الذي لم يحسن العوم أبدا . مسكون بفقد غامض للأشياء التي يحب
علي الشرقاوي - أمين صالح - قاسم حداد - عبدالقادر - عقيل- معرض الكتاب - أدونيس- جمال عبدالرحيم - البحرين 2001

ماذا أفعل له. هذا شخص مشحون بالتناقضات. أشتهر بالتطرف في كل أشكال حياته، فيما هو عرضة للتلف أمام هبة الريح العابرة. يتظاهر بالصلابة وهو الكائن الهش لفرط حساسيته اليومية. لماذا يتوجب على دومآ أن أكون قرينا لشخص على هذه الدرجة من الغموض. قلبه طفل يراهق، ويتكلم مثل حكيم. يموت قليلا ، أحسبه مريضا فأحمله لنطاسي الجسد والروح، فيهز الجميع رؤوسهم أن لا فائدة، حالته مستعصية ويتوجب منحه رصاصة الرحمة مثل أي حصان مكسور القوائم. وفي الطريق إلى البيت يشب وينفلت مني هاربا إلى السهوب ولا أكاد أسمع عنه شيئآ . وفي اليوم التالي ينهرني لكي أقرأ كتابه الجديد. وحين أقول له عن الغموض، يبتسم بحذر ويقول : لو فهموا المعنى لأهدروا دمي
جائزة أحسن نص - مهرجان المسرح - الكويت - 1996
موهبته في التحول تجعلني في حيرة. ليس له صورة واحدة، ولا تشف المرآة عن شخص أعرفه في كل مرة. كلما ضاعفت له المرايا تكشف عن شخص آخر. فلا أنا أثق في رؤياي ولا هو يسعف توسلي أن يكف عن ذلك. ليس سهلا الحياة مع شخص لا يحسن شيئا مثل تضليل الآخرين عن السبل التي يذهب إليها. يشك في كل شيء ولا يرى في الكتابة سوى قناديل سوداء في يد كائن أعمى يقود سربا من الموغلين في النوم نحو أحلام تضاهي الكوابيس

أنصح به علاجا لرأس صحيحة ، لتحصل على صداع مضمون. عليك أن تتفادى شراكه المنصوبة في منعطفات دروبه، فلن تخلو من أسباب الغيظ من الذات بعد عبور أحد نصوصه عليك، في نوم ويقظة. يعبر راحة الآخرين فيمنحهم ما يفيض عن حاجتهم من القلق المقيم. يقول لك بلسان طلق ذلق غير منزلق : أن الجنة في المتناول، وما عليك إلا أن تصدق دعابات الجثة الرشيقة وهي تعبر نحو سريرك فهي جثتك. ولكن كلما طفق في حديثه عن الصدق وضعت يدي على قلبي، فأكاذيبه لا تحصى، ولن تجد شخصا يروي الأكاذيب بصدق فاتن مثلما يفعل. وهذا ما يضعني في مجابهة غضب الآخرين وهم يعلنون استنكارهم لشاعر عابث على هذه الشاكلة. ماذا أفعل له، ماذا بوسعي حقا أن أفعل لشخص لا يأخذني ولا يتركني وحدي

كلما حاولت استمالته للمجالسة والتفاهم قليلا أعلن : لست منسجما ولست مهيئا للإنسجام. أليف ونافر في آن. كأنه لا يكتب النص للإتصال بالآخرين ولكن لينقطع عنهم ويبتعد، ويبالغ في ذلك ويباهي به

مخبره أكثر ضراوة من مظهره. مغامر في الكتابة ومحافظ في الحياة، نصه أكثر تقدمية منه. أقول له عن هذه المفارقة ، فيهز كتفيه قائلا : لا يهم، أنا لست أنت، أنا غيرك. لديه أصدقاء كثيرين، وأعداءه لا يحصون. يردد : مادمنا لا نستطيع كسب أصدقاء جدد، فيتوجب الإحتفاظ بأعدائنا السابقين. موهبته في ابتكار الأصدقاء لا تضاهي، لكنه لا يفرط في العدو بسهولة. يقول : أن تحويل الصديق إلى عدو أسهل من كسب العدو صديقا . عنده، أن العدو أكثر صدقا في علاقته من الصديق، ربما لأنه أكثر وضوحا وصراحة. العدو لا يندم على كونه كذلك، الصديق يندم لكونه صديقا لك أحيانا
هديب - محمد الجالوس - قاسم حداد - المتوكل طه - محد علي شمس الدين - حبيب الزيودي - المنصف المزغني
في مرسم محمد الجالوس- عمان
يهرب من كل مكان ليذهب إلى البيت. ثمة شعور بالخطر يهدده دوما خارج البيت. وهذا ما يجعله يحب السفر كفكرة، لكنه لا يحتمله في الواقع. ما إن يدركه المساء بعيدا عن البيت حتى تنتابه حالة الذعر الغامض، فيتصرف مثل وحش جريح ومحاصر. بعد سفره بساعات قليله يخالجه الندم على ارتكاب تلك الحماقة. لا أعرف حقا من أين تأتيه القدرة على كتابة الشعر وهو في مثل هذه الحالة من اللاأمن. طرحت عليه مرة هذا السؤال، فنظر لي بغضب وقال : المطمئن لا يكتب شعرآ ، إنه لا يخاف من شيء ولا تصيبه الرجفة الداخلية العص ية على التفسير. إنني أكتب الشعر لأنني خائف وفي خطر دائم. الشعر فقط يحميني من العالم. أنت لا تعرف ذلك، لأنك لن تشعر بفقد شيئ مفقود

فكر في الإنتحار غير مرة، لكنه لم يجد الوقت لتنفيذه. هذا ما يزعمه. أعرف أنه أجبن من أن يفعل ذلك. فهو لا يجرؤ على الحياة، فكيف على الموت. ولعه بالمنتحرين والمجانين يثير الريبة. لعله لا يزال يحسن التماهي في الكائنات الأخرى. وكثيرا ما كنت أخشى من أن أصحو ذات صباح فلا أجده موجودا في الحياة. وهو يلتذ بهذا الخوف الذي يسيطر علي ، كأنه يعبث بشخص آخر. تخيلوا شخصا ينهض من النوم ليجد نفسه موجودا في هيئة شخص منتحر. إنني لا أحتمل هذه الفكرة. لكنني لا أجد فكاكا من هذا القرين الذي يعبث بي ويزعم أنني هو 
هذا هو قاسم حداد .. تقريبا

توهمت أنني رأيته في هذه المرايا، فيما كان متماهيا في الزئبق

ها أنا أثق بأنني لا أعرفه أبدا . من يزعم أنه يعرف نفسه

قاسم حداد

سيرة قاسم حداد

ولد في البحرين عام 1948. 
تلقى تعليمه بمدارس البحرين حتى السنة الثانية ثانوي. 
التحق بالعمل في المكتبة العامة منذ عام 1968 حتى عام 1975 
ثم عمل في إدارة الثقافة والفنون بوزارة الإعلام من عام 1980. 
شارك في تأسيس ( أسرة الأدباء والكتاب في البحرين ) عام 1969. 
شغل عدداً من المراكز القيادية في إدارتها. 
تولى رئاسة تحرير مجلة كلمات التي صدرت عام 1987 
عضو مؤسس في فرقة (مسرح أوال) العام 1970. 
يكتب مقالاً أسبوعياً منذ بداية الثمانينات بعنوان (وقت للكتابة) ينشر في عدد من الصحافة العربية.
كتبت عن تجربته الشعرية عدد من الأطروحات في الجامعات العربية والأجنبية، والدراسات النقدية بالصحف والدوريات العربية والأجنبية. 
ترجمت أشعاره إلى عدد من اللغات الأجنبية . 
متزوج ولديه ولدان وبنت (طفول - محمد - مهيار) وحفيدة واحدة (أمينة).
حصل على إجازة التفرق للعمل الأدبي من طرف وزارة الإعلام نهاية عام 1997.

أطلق (منذ العام 1994) موقعاً في شبكة الإنترنت 
عن الشعر العربي باسم (جهة الشعر) :
www.jehat.com

مؤلفاته :

البشارة - البحرين - أبريل1970
خروج رأس الحسين من المدن الخائنة - بيروت - أبريل 1972
الدم الثاني - البحرين - سبتمبر 1975
قلب الحب - بيروت - فبراير 1980
القيامة - بيروت - 1980
شظايا - بيروت - 1981
انتماءات - بيروت - 1982
النهروان - البحرين - 1988
الجواشن (نص مشترك مع أمين صالح) - المغرب - 1989
يمشي مخفوراً بالوعول - لندن - 1990
عزلة الملكات - البحرين - 1992
نقد الأمل - بيروت - 1995
أخبار مجنون ليلى ( بالاشتراك مع الفنان ضياء العزاوي )
لندن / البحرين - 1996
ليس بهذا الشكل ، ولا بشكل آخر - دار قرطاس - الكويت -1997
الأعمال الشعرية - المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت - 2000
علاج المسافة - دار تبر الزمان - تونس - ‏2000‏-‏10‏-‏29
له حصة في الولع - دار الانتشار - بيروت - 2000
المستحيل الأزرق (كتاب مشترك مع المصور الفوتغرافي صالح العزاز) ترجمت النصوص إلى الفرنسية / عبد اللطيف اللعبي، والإنجليزية / نعيم عاشور- طبع في روما - 2001


مالم ينشر في كتاب
نص على نص
سماء عيسى
(جاءت أقدام تهرول بعيداً، داست علينا و نحن نيام، أقدام تهرول حاملة رماحاً مسمومة إلى الداخل، كلما اتجهت إلى داخل الوطن اتجهت السموم إلى أعماقنا. لكن أعماقنا خاوية إلا من البرسيم، فمن إذن يحمل إليك المشعل، أيها النهر الدموي، أيتها الجثة، أيتها الحياة)
( 1 )
من هناك يأتي سماء عيسى منذراً بفجيعة ما.
معه نمشي في خراب طاغٍ يسود الكون و العناصر. إنه قادم من حروب خاسرة ذاهب إلى منفى الأعماق و الدواخل. و كان سماء عيسى قد جاء قبل كل هذه الفجيعة التي نتمرغ فيها الآن. يكتب الشعر منذ سنوات دون أن يعبأ بما لا يحدث أو بمن لا يكترث بما يحدث. يكتب حيناً و يكبت أكثر الأحيان. في عُـمان، ظل في الجزء الخفي الهادئ من المشهد، عادة العمانيين الذين يمارسون جديتهم في الضوء الرزين. سماء عيسى ظل في الظل الذي تكون درجة الحرارة فيه أكبر من الشمس. لم تسعفهم الظروف مبكراً أن يحضروا في هيلمان الإعلام الأدبي المعاصر،. و كان هذا حسناً بالنسبة لقسم مهم من الكتابة الشعرية الجديدة. و لم يزل قسم كبير من الصوت الأدبي الجديد، هناك يتحرك بتردد النار الهادئة. و لعله القسم الذي سيغني الكتابة في مستقبل الأيام . و الذي يجري التعرف عليه تدريجياً.
ذات صيف، عندما كان العام 1987 يغري الكثيرين بوهدةٍ ما، أصدر سماء عيسى كتاباً شعرياً انتخب له عنواناً ينقض وهم الوهدة : [نذير بفجيعة ما ]. و ربما لم ير الشاعر في العام سوى الدواخل التي لا تخطئ كثيراً. جاء الكتاب في نسخ محدودة طبعت في أبعد منطقة عن الأرض العربية يمكن أن يتخيلها المرء، في نيويورك. للوهلة الأولى، لن تجد مبرراً (موضوعياً) يجعل شاعراً يعيش في عمان يطبع شعراً في أمريكا، سوى رغبة الاختراق المكبوتة (أعني شهوة العزلة الضارية) في طبيعة الشاعر. فهو ليس شاعراً مغترباً، وليس في كتابته ما ينم عن ذلك (جغرافياً)، و إن كانت لا تخلو من مشاعر الوحشة. فهذه طبيعة الانسان في هذا الكوكب.
( 2 )
سماء عيسى، قادم من الفجيعة بامتياز، و مبشرٌ بها في آن واحد. ومن يعرف الشاعر، و جيله، و تجربته، يدرك أن الأمر لا ينطوي على مبالغة ما. ففي العمق، تجسد كتابة الشباب العماني الجديدة الخلاصة الصافية لقطاع كبير من تجربة شباب هذه المنطقة، متميزة بطاقة الرؤية الفجائعية. و لعل طبيعة الهدوء الظاهري في تأمل أشياء العالم، ستجعل الصورة الشعرية أكثر نفاذاً لمعطيات هذه التجربة.
(الخراب يسكن العمق البشري الآفل)
(الريح عندما تهب من الشرق حاملة غبار أسود
كمعاطف النهار كانت تحمل أيضاً رائحة الموت)
(لم يكن في البهجة إلا نذير ما، كان ينذر بفاجعة دماء تتراكم متفجرة كشلال)
ليس في الصور إلا الواقع. فالشاعر لا يفتعل. الخراب الروحي الذي يتعرض له هذا الجيل ليس إلا تركة شاملة عليه أن يتجرعها ببسالة القتلى.
الجملة الشعرية عند سماء عيسى تصدر عن حس مأساوي تكفلت به التجربة المعيوشة (جسدياً ونفسياً)، والتي كما يبدو لن تنته بقرار، مثلما لم تبدأ بقرار. المرء لا يحدد درجة اتصاله بالعذاب و الخلق ، إلا بناء على درجة حضوره في الوجود أو العدم. الجملة في نص سماء عيسى تتبادل الهجوم تلو الهجوم مع احتمال واقع سوف يقع مثل يقين الرزنامة. لا تعلن حرباً إلا بكونها رؤية اختراق لماضي التجربة الذي لا يكف عن الحضور :
(كنت مستغرقاً في وجدٍ قلّـما يأتي
في ضـوءٍ قلْما ينير عتمات الروح)
ورؤية مفعمة باليأس من مستقبل ٍ، ما دام :
(يصنع لنهاره نهاية ً.. )
الجملة الصغيرة، المكتنزة، المترفة بصريخ الروح، تعتمد صناعة المشهد، إنها صور تنهض من بلاغة المشهد الشعري، فالشاعر لا يعبأ بالتفاصيل إلا نادراً. لغته ليست جزئية، إنها في كلية المشهد ، من (اربط دموعك بنار بعيدة ) حتى نهاية المقطع : (مراث ٍ كأجراس خبت في دمار الغروب) إلى خاتمة التدفق، حيث :
قناديل لعصافير الموت)
يتسنى لك أن ترى (أعني أن تعرف ) مشهداً مكتملاً ، أو أنه يكتمل باكتشافك - كقارئ - حتى (النار) البعيدة التي يذهب إليها في بداية المشهد. متصلة " بقناديل " لعصافير الموت في نهاية المشهد، و فيما بين هذين الضوئين يتكشف لنا جانب من تجربة تتعرى في الأم المغتسلة بالكآبة و جمجمة العشيق الميت. و المراثي، و وصايا الجد، و رسائل العناصر، و الأفول و الذهاب النهاري إلى الحتف، حتى العودة الخائبة، و ولع الخروج لمنح الماء زرقته. كل ذلك يقدر سماء عيسى على اجتراحه من عصب الواقع و تحويله إلى سياق أسطوري، فيما هو نسغ الواقع و لحمته.
( 3 )
ستصاب بالخيبة - أيها القارئ النبيل - إذا حاولت أن تبحث عن شعار الأمل لتصد به هجوم الفجيعة الماثلة. لا يعبأ الشاعر بذلك . ربما لم يكن هذا من شأن الشاعر. فالأمل ليس في أن تهبنا إياه القصيدة، الأمل في درجة اليأس الذي تدفعنا إليه.
كأن كل شيء ينذر بفجيعة ما. خراب الواقع، إندثار الوقت، خيانة الأحبة، أم تفترس الإسفلت. اندثار الروح، لم يعد ثمة ندامى، النار انطفأت،كآبة طفل بقر بطن أمه، عربة تجر قافلة من القتلى، شجر يسلم ما لديه للنار، ورقة تحمل صورة صديق مات و أخرى لصديق يموت بعدي، انحلال الجسد.
إنه اختزال خارق لتجربة لم تزل ماثلة للحواس كلها. ماثلة في أشلاء لا خلاص لها من شهوة الذاكرة. كل صورة عند الشاعر مكتنزة برائحة التاريخ و مراوغة الفيزياء، وضراوة الفعل السياسي. و لكل من يرغب في المزيد من انفجارات الرؤية مع هذا النص أن يتميز بموهبة اجتياز تخوم الذات و الموضوع في كتابة سماء عيسى. فبغير هذه الطريقة لا يتسنى لنا أن نقرأ النص مطلقاً في هواء اللغة، أو نتعامل معه كفعل فـنٍ عارٍ من الحياة. و الشاعر هنا لا ينذر بما سيحدث ، لكنه ينذر بما حدث، لأن ما حدث هو الذي يمنح الواقع و المستقبل طبيعتهما.
ها هو يطلق الأسئلة :
(إلى أين أوصلتك الدروب دونما مأوى، دونما عشاق)
(تحمل الريح من وطن إلى وطن 
من زمن إلى زمن )
و يجوز له أن يتبادل مع رفقته الشعرية في عُمان (و بلاد أخرى) احتمالات الفاجعة :
(علّ وطناً يستيقظ من أنقاض تراكمنا)
ليست صدفة أن نلمس عند سماء عيسى كل هذا الخراب، ليس في هذا النص فقط، بل في مجمل كتابته (ما سبقت و ما لحقت). تلك التي تصدر عن هذا البعد المكنون.، عند معظم الأصوات الأدبية من جيله، في عُمان خاصة، يصدرون عن الفجيعة ذاتها، ليحققوا فعل الصدفة الموضوعية التي تليق بجيل عربي لا بد له أن يتصل بكتابة جديدة يمارسها الشباب في عُمان. فالفجيعة عند هؤلاء ليست مزحة، و لا هي فعل مبالغة شعرية. جديد كتابتهم متصل بجوهر تجربة قلما عرفتها التجارب الشعرية العربية المعاصرة. و ما علينا إلا أن نصغي لهذا الصوت، نصغي إليه قادماً من " نار انطفأت " و من (رماد يخبئ أسرار الخليفة في أرحام الأمهات).
( 4 )
بعد ذلك بحوالي خمس سنوات سوف يصدر لسماء عيسى كتاب جديد بعنوان (مناحة على أرواح عابدات الفرفارة) ، ليقول فيه أن : 
(الرماد يغسل الخطيئة في صمت بعد أن تنطفئ النار)
و يلـذّ لنا أن نلتفت إلى تلك النار التي تنطفئ دوماً عند سماء عيسى. يلذّ لنا أن نثير أجوبة لا تقنع الأسئلة.
( 5 )
قبل ذلك بسنوات، كان سماء عيسى قد أصدر كتيبه الأول بعنوان ( ماء لجسد الخرافة ). افتتحه باستهلالة صغيرة من سان جون بيرس، يقول فيها :
(أنذركم بأزمنة حرارة كبيرة
و بالأرامل الصارخات
على تشتت الموتى )
و لذلك فان انحيازنا لتتبع شهوة الاختراق التي تتلبس سماء عيسى لا تتصل بالشكل الفني الذي يستحوذ على غيره فحسب، و لكن ذلك الاختراق المتصل بخراب مهيمن على الروح و الجسد معاً. فمنذ لحظته الأولى رأينا كيف يتأثث مشهد سماء عيسى الشعري بخرائب تبدأ و لا تنتهي . فهو لا يصدر عن تجربة الروح و الجسد إلا بالقدر نفسه الذي يصدر فيها من تجربة الواقع الضارب في لحمنا حتى العظم . ففي كتيبه الأول نصادف نصاً بعنوان (خرائب) ، يبدأ :
( وهدة كدثار الفجيعة
تضرم في شفتي جحافل)
وعندما يتوقف المتأمل في نص سماء عيسى عليه أن يلتفت ملياً إلى هذه المسافة الزمنية التي تفصل بين كتابه الأول (ماء لجسد الرغبة) وبين كتابه الأخير (نذير بفجيعة ما)، لكي لا يتوهم في لحظة أن حس الفجيعة والخراب عند سماء عيسى محض نزوة شعرية طارئة. و ربما بهذا الملمح نستطيع أن نقترح تميزاً يسم تجربة هذا الشاعر. هذا الشاعر الذي طاب له أن يتقنع بالسماء، كمن يريد أن يقول لنا أنه يرى إلينا.. إلى واقعنا من هناك.. من الأعالي، دون أن يزعم ذلك أو يدعيه.
يا الهي، لماذا نذرت الشعراء برسالة طيور الغابة المحترقة.؟
*

اعماله الادبية
النهروان

الرؤية التشكيلية : جمال هاشم
الطبعة الأولى 1988
المطبعة الشرقية - البحرين
الطبعة الثانية 1997
وكالة الصحافة العربية - القاهرة
عدد الصفحات 104


النهروان
الوردة الرصاصية
========================================


القيامة

الطبعة الأولى 1980
دار الكلمة / دار بن رشد - بيروت
لوحة الغلاف - خوان ميرو
عدد الصفحات 114


دخول أول
في الهواء في النار
في التراب في الماء

  دخول ثان
مرآة قهوة الدم مرآة ماء اللوتس
مرآة لؤلؤة الوقت مرآة شجرة الدم
مرآة الجسد مرآة الإغتسال
مرآة الإنتماء مرآة التأسيس
  دخول ثالث
الوطن يقرأ النار حين مات الرقص على العتبات
اللجوء إلى خيمة اللاجئين الخطوة سيدة الدرب
الصعاليك يفتحون العواصم عشاد لضيوف لا مواعيد لهم
الفوضى تشكل المدائن كما ينبغي المرأة تنسج الرايات
بدايات عرس الأرض دخول الدخول
========================================



ليست هناك تعليقات: